تطور الجمباز في العالم
تعتبر مصر القديمة منذ ثلاثة ألاف عام قبل الميلاد من أول الحضارات التي عرفت رياضة الجمباز و تثبت هذا القول تلك النقوش و الآثار الموجودة في مقابر سقارة و مقبرة "بتاح حتب" و مقابر" بني حسن" و جدار مقبرة "أمنحتب" مدير الملاعب في الأسرة التاسعة و بجانب تلك المقابر توجد نقوش مماثلة على معبد "حتشبسوت" في الكرنك.
إن معظم تلك الآثار تبين رسومات لحركات تمثل بعض مهارات الجمباز المعروفة لدينا الآن في العصر الحديث كالوقوف على الرأس و الدحرجة الأمامية و بعض الاستعراضات المشابهة لمهارات الجمباز الزوجي و الجماعي. و يدل التاريخ على أن حضارة الصين منذ عام 2600 قبل الميلاد عرفت الجمباز بصورة أولية و قاموا باستخدامه بغرض العلاج الطبي و عند بزوغ حضارة الإغريق لقي الجمباز بعض العناية من جانبهم و كان يسمى الفن العاري(NAKEDART) وأصبح الجمباز ضمن أنشطة التدريب واشتمل على الجري والوثب و بعض مهارات الأكروبات و تسلق الجبال و تمرينات التوازن.
وتلى تلك الحضارة الرومان الذين اهتموا بتعديل برامج التدريب البدني كما استخدم الرومان لأول مرة الحصان الخشبي الذي يشبه الحصان الحقيقي و كان الهدف من استخدام هذا الجهاز هو التدريب على الفروسية.
و لقد تغيرت أغراض ممارسة الجمباز على مر التاريخ حتى أصبحت موجهة في عصرنا الحالي نحو التنمية المثلى للإنسان لا من الوجهة البدنية فحسب بل شملت النواحي النفسية و العقلية و الاجتماعية.
و هذه التغيرات في مفهوم رياضة الجمباز حدثت نتيجة لخبرات و دراسات تمت منذ سنين و كانت هذه الدراسات ذات علاقة بالقيم المكتسبة من ممارسة الجمباز تحت قيادة مؤهلة.
و لقد أظهرت المدينة الحديثة مدى الحاجة إلى برنامج منظم لممارسة الجمباز, فنتيجة للمخترعات التي تقتصد في كمية العمل اللازم ظهرت الحاجة إلى نوع من البرامج المنظمة التي تحقق استفادة الإنسان لممارسة هذا النوع من النشاط.
و من هنا برزت أهمية دراسة أحوال بعض الدول العريقة من أجل معرفة الدور الذي لعبته رياضة الجمباز في حياة شعوبها, فعن طريق تفهم ماضي و تاريخ لجمباز يستطيع المرء أن يفهم و يفسر بطريقة أفضل نشاط الجمباز المعاصر.
كما أن دراسة تاريخ رواد الجمباز في مختلف الدول التي كانت مهدا لنشر هذه الرياضة خلال عصر النهضة تبين قدر ما أسهم به كل منهم في نمو هذا المجال و تقدمه من بداية عام 1750م.
و بدأت أوروبا على يد " يوهان باسدو" الألماني الجنسية فتح بداية جديدة لاستمرار رياضة الجمباز و لقد ساعد في بداية الاهتمام بهذا النشاط البدني ما قام به"جتس موتس" و " فردريش لودفيج يان" و الذي يعتبر أول منظم حقيقي لأداء المهارات على الأجهزة و التي تطورت في صورتها الحالية.
إن مجهودات "يان " خلال الفترة الممتدة من 1810 م إلى 1852م كان هدفها سياسيا, حيث وضع خطة لتنمية شباب قوي و ذلك لتحرير ألمانيا من فرنسا بعد انتصارات "نابوليون" كما اهتم ببناء أمة قوية بتنمية شباب ألمانيا بدنيا و عقليا عن طريق التدريس في برلين بألمانيا و خلال فصل الصيف كان برنامجه مع مجموعات من الشباب في حياة الخلاء داخل الحقول و الغابات للعب المصارعة القفز الجري و التسلق و بممارسة هذا النشاط في الغابات بدأ "يان" في استخدام و تصنيع أجهزة جمباز أولية من أخشاب الشجر.
و خلال فترة الشتاء استمر حماس الشباب لممارسة هذا النشاط داخل القاعات المغطاة, أما في الربيع فقد استمر التدريب في الخلاء بأعداد أكثر إذ بدأت المدارس المختلفة ترسل الشباب لممارسة هذا النشاط, و من خلال هذه الممارسة ظهرت أنواع جديدة من الحركات مما دفع الآخرين لمحاولة تقليدهم, و مع مرور الزمن بدأ الشباب يتجه إلى القاعات في الشتاء و نقلوا معهم الأجهزة التي تم تصنيعها لممارسة أنشطة الجمباز على الأجهزة, كما أن المهارات أصبحت أكثر تنوعا و ازدادت صعوبتها, و من خلال هذا الاهتمام ظهرت عدة تنظيمات لنشر رياضة الجمباز و تم إنشاء رابطة الجمباز باسم TURNVEREINE.
و تطور نظام البطولات بين الممارسين لهذه الرياضة بواسطة وضع تقدير لدرجات الممارسين و هكذا بدأت بطولات الجمباز الحديثة.
و في عام 1820م تعددت فروع رابطة الجمباز في ألمانيا حيث انضم أعضاء جدد و خاصة من المدن الكبيرة, كما تم إنشاء أول اتحاد للجمباز في ألمانيا حيث تكونت في الأربعين عاما التالية اتحادات أخرى مثل الاتحاد الديمقراطي, و الاتحاد العام الألماني للجمباز سنة 1883م , و اتحاد عمال ألمانيا للجمباز سنة 1892م.
و بدأ نطاق هذه الرياضة في التوسع ليشمل بقية أوروبا و الاتحاد السوفياتي و الدول الشرقية التي كانت مرتبطة سياسيا بألمانيا, و اليابان و الصين, و التي كان من نتائجها رفع مستوى الجمباز و انتشار برامجه في مختلف دول العالم.
و يرجع تطور مستوى الجمباز إلى البحوث العلمية التي قام بها الاتحاد السوفياتي و ذلك منذ قيام أول بطولة بموسكو عام 1880م, ثم في بطولة عام 1903م, و منذ قيام الاتحاد السوفياتي أنشئت الملاعب و القاعات و صنعت الأجهزة و افتتحت معاهد تربوية لإعداد مدربي الجمباز المتخصصين, و ازداد التطور عندما اشترك الاتحاد السوفياتي و فاز ببطولة الفرق في البطولة الدولية عام 1937م.
و يدل تقدم مستوى لاعبي الاتحاد السوفياتي على مجهودات عظيمة لفترة سنوات عديد من البحث العلمي و الذي أدى إلى تغيير و تطوير طرق التدريب لتناسب المراحل السنية و صعوبة المهارات, و بذلك تغير زمن و أسلوب التدريب.
و يذكر التاريخ أثر ما قام به " أوكران " بدراسته حول تقسيم مهارات الجمباز إلى مجموعات تكنيكية مما أدى إلى تبسيط عملية التعليم و التدريب.
و تلخيصا لما سبق فانه يعود الفضل إلى المدرسة الروسية بعد الحرب العالمية الثانية الى انتشار الجمباز الحديث و ذلك بتطبيق العلوم الطبيعية تطبيقا علميا على المهارات التي يؤديها لاعبي الجمباز.
و بفضل استخدامهم لمبادئ التشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم النفس الرياضي و قواعد التدريب و مبادئ فسيولوجيا الأداء و التحليل المهاري أدى إلى ارتفاع مستوى أداء اللاعبين و إيجاد حصيلة من المهارات الصعبة المتنوعة على الأجهزة المختلفة.
و لا شك أن المدرسة الروسية و اليابانية و الصينية و الأمريكية قد بذلت أفضل البرامج التدريبية لكي تصل بمستوى لاعبي الجمباز إلى الحد الذي استطاعوا به إحراز أغلب البطولات و الدورات العالمية و كذلك تحقيق عدة ألقاب أولمبية.
اعدد الاستاذ حميد