كان عام 1930 زاخراً بالأحداث الهامة التي لا يزال صداها في الأرجاء حتى اليوم، ومنها تغيير اسم قسطنطينية إلى اسطنبول رسمياً، واكتشاف كوكب بلوتو، وظهور شخصية السيدة ماربل للمرة الأولى في رواية طويلة للكاتبة البوليسية الأشهر في العالم أجاثا كريستي، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن عالم كرة القدم كما نعرفه اليوم، كان قد وُلد في ذلك العام أيضاً من خلال النسخة الأولى من كأس العالم FIFA التي استضافتها أوروجواي.
لم يكن قد بدأ العمل بنظام التصفيات المؤهلة، بل قَبِلت آنذاك ثلاث عشرة دولة الدعوة التي تم توجيهها إليها للتنافس في البطولة الوليدة، فشاركت أربعة منتخبات من أوروبا وثمانية من أمريكا الجنوبية، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية. هذا ولم يتم إجراء القرعة الرسمية إلا بعد أن وصلت جميع الفرق بسلام إلى أوروجواي. وحالما انطلقت المنافسات، كان واضحاً أن هذه البطولة سيكون لها شأن كبير في المستقبل بالنظر إلى النجاح الباهر الذي حققته. وفي ختام المنافسات، اقتنصت الدولة المضيفة اللقب ليكون منتخبها هو أول منتخب يرفع الكأس الذهبية التي كان يُطلق عليها "فيكتوري" أو "كأس العالم".
ومع انطلاق النسخة التالية في إيطاليا بعد ذلك بأربع سنوات، زاد الاهتمام بالبطولة كثيراً. حيث شاركت اثنتان وثلاثون دولة في التصفيات المؤهلة لكي تتحدد هوية المنتخبات الستة عشر التي ستشارك في النهائيات، وللمرة الثانية رفع أصحاب الأرض الكأس عالياً في المباراة النهائية.
تمنى الفرنسيون أن يحافظوا على تلك القاعدة وينالوا اللقب الأول لهم عندما استضافوا النسخة التالية، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن الديوك، حيث وصلوا إلى ربع النهائي وسقطوا أمام إيطاليا حاملة اللقب، بينما حافظ منتخب الآزوري على إيقاع الفوز واكتسح الميدان مجدداً وتربع للمرة الثانية على التوالي على العرش العالمي مؤكداً علو كعبه في عالم المستديرة الساحرة.
منعت ويلات الحرب العالمية الثانية إقامة عروس البطولات طيلة اثنتي عشرة سنة، إلى أن اجتمعت صفوة منتخبات العالم مجدداً عام 1950، وقد تبيّن في وقت لاحق أن الدكتور الإيطالي أوتورينو باراسي، نائب رئيس FIFA، خبّأ الكأس طوال أعوام الصراع في علبة أحذية تحت سريره خوفاً من أن تستولي عليها القوات المحتلة. يُذكر أن عام 1946 شهد إعادة تسمية الكأس رسمياً لتصبح "كأس جول ريميه" تكريماً لرئيس FIFA آنذاك وللجهود المضنية التي بذلها في سبيل الحفاظ على هذه اللعبة خلال سنوات الحرب.
في البرازيل 1950، شاركت ثلاث عشرة دولة فقط في النهائيات وبعد مرحلة المجموعات، تأهلت كل من الدولة المضيفة والسويد وأسبانيا وأوروجواي للمرحلة الثانية ودخلت في منافسة نارية على الكأس. كان نجوم السيليساو بحاجة إلى نقطة واحدة لينالوا اللقب. إلا أن الجماهير الغفيرة التي احتشدت لمتابعة المباراة والتي بلغ عددها 199 ألف شخص تقريباً (حيث تراوحت التقديرات بين 174 و205 ألف شخص) كانت على موعد مع مفاجأة مؤلمة من العيار الثقيل أصبح يُطلق عليها اسم "كارثة ماراكانا"، والتي تعتبر واحدة من أشهر الهزائم في تاريخ الكرة، عندما انتفض منتخب أوروجواي واقتنص فوزاً لا يُقدر بثمن من نجوم البرازيل في عقر دارهم ليتربع على العرش العالمي للمرة الثانية.
النسخة التالية من البطولة الكروية الأبرز في العالم حملت قنبلة مدوية أخرى يصفها الألمان بأنها "أعجوبة بيرن"، حيث توجه منتخب ألمانيا الغربية إلى سويسرا عام 1954 ليواجه مفاجأة البطولة المتمثلة بالمنتخب المجري في مباراة نهائية نارية بكافة المقاييس انتهت بفوز الماكينة الألمانية بثلاثة أهداف مقابل اثنين. وقد شهدت هذه البطولة للمرة الأولى تعيين أرقام ثابتة لجميع اللاعبين المشاركين.
كانت تلك هي البطولة الأكبر من نوعها في تاريخ كرة القدم، وقد تم تسجيل رقم جديد في عدد المنتخبات التي شاركت في التصفيات المؤهلة إلى المونديال. وشهدت آسيا، التي كان قد تم تأسيس اتحادها القاري لكرة القدم AFC في تلك السنة، أول منافسات تأهيلية شاركت فيها اليابان وكوريا الجنوبية، كما مثّلت مصر القارة الأفريقية في التصفيات لتكون هذه هي النسخة العالمية الحقيقية الأولى من هذا العرس الكروي. تأهل ستة عشر منتخباً للمشاركة في النهائيات التي استضافتها سويسرا واستمر العمل بهذا العدد من المنتخبات في النهائيات حتى عام 1982 عندما تم رفعه إلى 24 منتخباً في النسخة التي استضافتها أسبانيا.
وبعد أربع سنوات من سويسرا 1954، سرق بيليه ذو السبعة عشر ربيعاً الأضواء في السويد من خلال مساهمته في دخول بلاد السامبا إلى السجل الذهبي للبطولة للمرة الأولى في تاريخها. وقد شهدت هذه النسخة تحقيق الفرنسي جوست فونتين إنجازاً غير مسبوق لم يجاريه فيه أحد حتى الآن بتسجيله 13 هدفاً بالتمام والكمال. وكانت هذه هي النسخة الأولى التي تنتهي فيها إحدى المباريات بالتعادل السلبي، وذلك في اللقاء الذي جمع منتخبي إنجلترا والبرازيل. ويُسجل التاريخ أن هذه كانت الدورة الأولى من المونديال التي تُبث حول العالم عبر شاشات التلفاز.
حافظت البرازيل على الكأس الغالية بعد ذلك بأربع سنوات في تشيلي. لكن نسخة 1966 شهدت مجدداً صعود المنتخب صاحب الأرض والضيافة على منصة التتويج بعد أن ألحقت إنجلترا الهزيمة بمنتخب ألمانيا الغربية بأربعة أهداف مقابل اثنين في مباراة نهائية نارية ومثيرة للجدل استضافها ملعب ويمبلي في العاصمة لندن.
لم يتأخر البرازيليون كثيراً وعادوا بقوة إلى نهائيات 1970 في المكسيك حيث اكتسحوا البطولة وحملوا "كأس جول ريميه" إلى بلادهم للمرة الثالثة واحتفظوا بها إلى الأبد. يُذكر أنه سُمح للمرة الأولى في هذه النهائيات بإجراء تبديل للاعبين أثناء المباراة، واستخدام البطاقتين الصفراء والحمراء من قبل الحُكام. وكانت هذه النسخة الأولى التي يتم فيها نقل المباريات بالألوان ليتمتع عُشاق كأس العالم FIFA بتجربة أكثر إثارة أثناء متابعة البطولة من منازلهم.
أطفأت البطولة شمعتها العاشرة عام 1974 ونال منتخب ألمانيا الغربية، صاحب الأرض والضيافة، شرف رفع الكأس الجديدة للمرة الأولى، رغم أن أبرز أحداث هذه البطولة كان تبني المنتخب الهولندي لفلسفة كروية جديدة كلياً تقوم على مبدأ عدم إسناد مهمة معينة لأي لاعب، باستثناء الحارس، بحيث يمكنه التحرك كمدافع أو لاعب خط وسط أو مهاجم. ويعود الفضل إلى هذه التقنية بوصول منتخب الطواحين إلى المباراة النهائية التي خسروها رغم أن الفريق كان يضم أسطورتين في عالم كرة القدم وهما يوهان كرويف ويوهان نيسكنس.
دولة جديدة أخرى شغوفة بكرة القدم دخلت التاريخ الكروي من أوسع أبوابه عندما رفعت عام 1978 الكأس الذهبية للمرة الأولى، وكانت تلك هي الأرجنتين التي استضافت البطولة ولم تخذل جماهيرها. شهدت هذه البطولة نهاية الحقبة الذهبية لكرة القدم الهولندية التي تمكن منتخبها من احتلال مركز الوصيف للمرة الثانية على التوالي ليغيب عن النسخة التالية التي استضافتها أسبانيا بعد أربعة أعوام، والتي فاز بها المنتخب الإيطالي العائد بقوة إلى الساحة العالمية.
لم تكن الخدمات الجلية التي قدمها دييجو مارادونا للمنتخب الأرجنتيني أقل قيمة من تلك التي أسداها بيليه إلى منتخب راقصي السامبا. حيث يعود الفضل إلى مارادونا في قيادة فريقه إلى عالم المجد في المكسيك 1986 بعد أن تغلب على منتخب ألمانيا الغربية، وتمكن أيضاً من إيصال فريقه إلى المباراة النهائية في النسخة التالية أمام الخصم ذاته في إيطاليا. لكن الفوز هذه المرة كان من نصيب الماكينة الألمانية يتقدمها رأس الحربة القيصر فرانس بيكنباور الذي جعل بلاده تحوز على لقب كأس العالم FIFA الثالث وتتعادل بذلك مع كلٍّ من البرازيل وإيطاليا. أما المنتخب الأرجنتيني، فلا يزال شبح هذه الهزيمة يُطارده حتى الآن باعتبار أنه أول منتخب يصل إلى المباراة النهائية ويفشل في تسجيل أي هدف فيها وكذلك يواجه طرد لاعبين اثنين خلال نفس المباراة.
رقم قياسي جديد بلغ 147حققته النسخة التالية من حيث عدد الدول التي شاركت في التصفيات المؤهلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية 1994. وللمرة الأولى في التاريخ، تحددت هوية المنتخب الفائز في المباراة النهائية بنتيجة ركلات ترجيح درامية فاز على إثرها المنتخب البرازيلي وأطاح بنظيره الإيطالي ليرفع أبناء بيليه رصيدهم في تاريخ كأس العالم FIFA إلى أربعة ألقاب.
استمر كسر الأرقام القياسية في السنوات التالية، حيث كانت نسخة عام 1998 في فرنسا الأضخم على الإطلاق بمشاركة 32 منتخباً للمرة الأولى خاضوا أربعاً وستين مباراة بالتمام والكمال. وسيبقى اسم زين الدين زيدان محفوراً في ذاكرة عُشاق كرة القدم إلى الأبد بعد أن قاد أصحاب الأرض نحو خطف اللقب ورفع أسهم الديوك الفرنسية في عالم المستديرة الساحرة.
أما فوز البرازيل في كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، التي كانت النسخة الأولى التي تجري في القارة الآسيوية، فقد سمح لنجوم بلاد السامبا بالفوز باللقب العالمي في جميع القارات التي استضافت البطولة. وفي ألمانيا 2006، أسقطت إيطاليا المنتخب الألماني في عقر داره في نصف النهائي الذي جمع منتخبين يحمل كلّ منهما اللقب العالمي ثلاث مرات. ثم كانت الكلمة الفصل للكابتن فابيو كانافارو ورفاقه الذين هزموا فرنسا بعد خوض دراما الركلات الترجيحية في العاصمة برلين واقتنصوا الكأس للمرة الرابعة.
فما الذي تخبئه جنوب أفريقيا 2010 لنا؟ يبدو أن تحطيم الأرقام القياسية وانتظار مفاجآت من العيار الثقيل أصبح بمثابة القاعدة في كل مونديال، ولا يبدو أن هذه النسخة ستشذّ عن هذه القاعدة بينما تحط بطولة كأس العالم FIFA رحالها هذه المرة في قارة جديدة.
هل ستعزز البرازيل صدارتها بعدد الألقاب وتقتنص السادس في القارة السمراء؟ أم سيحتفظ الإيطاليون بالكأس الغالية ويتعادلون مع البرازيليين بخمسة ألقاب لكلّ منهما؟ وهل يمكن أن يحقق منتخب أفريقي إنجازاً غير مسبوق ويقلب صفحة جديدة في التاريخ الطويل والحافل لهذه البطولة؟ هذا ما تتحرّق جماهير الكرة لمعرفته خلال الأيام المقبلة التي لا بدّ وأن تكون مليئة بالإثارة والتشويق.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]