كان يُعتقد في العُرف الشعبي القديم أن الحِرف والمهن تتوارث أباً عن جد، إذ كان في السابق ابن النجار نجاراً وابن الفنان فناناً وهكذا ذواليك. وإذا تعمقنا في تاريخ كرة القدم وبطولة كأس العالم FIFA، فإننا سنجد قصصاً وحكايات لا تُعد ولا تحصى عن توارث جينات الساحرة المستديرة من جيل إلى جيل.
بالعودة إلى سجل أم البطولات في نسختها الثانية التي أقيمت عام 1934 بإيطاليا، فإننا سنجد مواجهة ثنائية بين الأسباني مارتين فانتورلا والفرنسي روجر ريو. وبعدها بأربعة عقود جاء دور ابنيهما خوسيه فانترولا وباتريس ريو ليتقابلا وجهاً لوجه ضمن فعاليات أبرز حدث كروي على الإطلاق.
وبدورها، ستشهد نهائيات جنوب أفريقيا 2010 قصصاً أسرية فريدة، حيث سيشارك بوب برادلي وابنه مايكل برادلي في مغامرة المنتخب الأمريكي ضمن أول بطولة عالمية تقام على أرض االقارة السمراء. كما ستدخل كتيبة سلوفاكيا غمار المجموعة السادسة بعنصرين يحملان نفس الاسم، حيث سيكون المدرب فلاديمير فايس على رأس الإدارة الفنية، بينما سيسعى ابنه لاعب الوسط، والذي يحمل اسم فلاديمير فايس كذلك، إلى ضمان مقعده في التشكيلة الأساسية التي ستقابل إيطاليا وباراجواي ونيوزيلندا، علماً أنه يُعد واحداً من اللاعبين المرشحين للانضمام إلى صفوف مانشيستر سيتي في الموسم المقبل.
قد يقول البعض أن وجود الابن بين عناصر المنتخب الوطني مثال صارخ على المحسوبية والزبونية، بما أن الأب هو الآمر والناهي في الفريق. لكن تاريخ كرة القدم قادر على تكذيب تلك الأقاويل والادعاءات، حيث أثبتت السنوات والعقود المتتالية أن عروق أبناء عائلة فايس تتدفق بدماء كروية تنبعث منها رائحة الساحرة المستديرة، إذ كان والد المدرب فلاديمير فايس لاعباً دولياً مشهوراً في منتخب جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة.
كما يزخر تاريخ أم البطولات بقصص وحكايات مماثلة، إذ قام ما لا يقل عن 18 لاعباً بإعادة سيناريو آبائهم في أبرز حدث كروي على الإطلاق. ومن المنتظر أن يعيد ثلاثة منهم الكرّة صيف هذا العام في جنوب أفريقيا. فقد سار حارس ليفربول بيبي رينا على خطى والده عندما استهل مشواره في العرين الأسباني سنة 2006، أي بعد مرور 40 سنة بالتمام والكمال على انطلاق المسيرة ميجيل رينا الدولية، حيث دافع عن مرمى لاروخا في نهائيات إنجلترا. وبدوره، تقفى دييجو فورلان أثر أبيه بابلو، الذي مثل أوروجواي في دورتي 196 و1974، حيث استهل هداف أتليتيكو مدريد مشواره المونديالي في كوريااليابان 2002. وقبل أربع سنوات، نجح قائد وسط ميدان ريال مدريد تشابي ألونسو في السير على هدي والده ميجيل آنخيل ألونسو، الذي كان ضمن تشكيلة المنتخب الأسباني مستضيف دورة 1982.
لكن التوارث لا يقتصر على الآباء والأبناء، بل ينتقل أحياناً من الأجداد إلى أحفادهم مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للمدافع ماريو بيريز الذي حمل القميص المكسيكي في نهائيات 1970، أي بعد مرور أربعة عقود كاملة على مشاركة جده في خط هجوم التريكولور خلال أول نسخة مونديالية عام 1930 بأوروجواي.
كما تمتد العلاقات الأسرية في عالم كرة القدم إلى أبعد من الرابط الأبوي، إذ شهد تاريخ كأس العالم ما لا يقل عن 47 ثنائياً أخوياً منذ انطلاق المسابقة. ولعل القصة المثيرة في جنوب أفريقيا ستدور حول جيروم بواتينج وشقيقه كيفن-برينس، حيث سيتركان انتماءهما العائلي جانباً يوم 23 يونيوحزيران بجوهانيسبورج وسيتصافحان فوق أرضية الملعب وكل منهما يرتدي قميصاً مختلفاً عن الآخر، حيث سيمثل الأول منتخب ألمانيا بينما اختار الثاني الدفاع عن ألوان النجوم السمراء، علماً أن الاثنين وُلدا في مدينة برلين من أب غاني.
وعلى غرار نهائيات ألمانيا 2006، سيعود الأخوان توري، كولو ويايا، لتمثيل منتخب كوت ديفوار صيف هذا العام. ولم يكن العاجيان الشقيقين الوحيدين في المونديال الأخير، بل إنهما لم يكونا الثنائي العائلي الوحيد في صفوف كتيبة الأفيال، حيث كان إلى جانبهما الأخوان كوني، أرونا وباكاري، بينما مثل فليب ديجن ودافيد ديجن أسرتهما في المنتخب السويسري الذي حقق مسيرة محترمة.
ولإيجاد آخر شقيقين حملا كأس العالم سوية، فإنه يتعين علينا الغوص بعيداً في أعماق تاريخ أم البطولات، حيث أصبح الثنائي الألماني فريتز وأوتمار والتر أول شقيقين يفوزان بكأس العالم FIFA عندما حملا اللقب في سويسرا 1954 بعد فوز ألمانيا 3-2 على المجر. وتكرر الأمر بعد 12 سنة في انجلترا عندما تُوج الأخوان الإنجليزيان جاك وبوي تشارلتون بلقب جيل ريميه مع منتخب الأسود الثلاثة عام 1966، علماً أنهما عادا لتمثيل بلادهما في نهائيات المكسيك 1970.
ولعل الدنمارك وهولندا هما البلدان اللذان قدما للعالم أشهر ثنائي عائلي في تاريخ المسابقة، حيث شارك الأخوان مايكل وبراين لاودروب جنباً إلى جنب في مونديال فرنسا 1998، بينما دافع التوأمان رونالد وفرانك دي بور عن القميص البرتقالي في نهائيات 1994 و1998 على حد سواء.
وقد بات من المعروف أنه لا يوجد أي مجال للتضامن والتعاطف الأسري فوق أرضية المستطيل الأخضر، ولا أدل على ذلك من لقطة الأخوين دي بور خلال سلسلة ركلات الترجيح التي حسمت نتيجة موقعة نصف نهائي دورة فرنسا 1998. فقد سجل فرانك أول ضربة لصالح هولندا، بينما أضاع رونالد الركلة الرابعة والأخيرة لتنتهي المباراة بفوز البرازيل 4-2. وعوض أن يتوجه فرانك لمواساة شقيقه، انهال عليه بوابل من الانتقادات والعتاب.